القرآن والطب -2

ثانياً : مرحلة النطفة : ((ثم من نطفة)).

لقد رأينا كيف خلق الله آدم وزوجه بقدرته المطلقة، غير المقيدة بقوانين الحياة المعروفة، ولكن تلك القوانين بدأ تطبيقها على ذرّيتهما ((وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً)). أي بثَّ من التقاء آدم وحواء عليهما السلام، بقوانين البشر المعروفة، بعد أن أودع الله فيهما خصائص الجنس البشري، رجالاً كثيراً ونساءً، فكيف يحصل ذلك علمياً..!؟

 

منذ أن يكون الإنسان مضغة في رحم أمه، ينشأ ارتفاعان صغيران في الحبل الظهري (notocord)  الذي سيشكّل فيما بعد العمود الفقري، يسميان الشامختان التناسليّتان (genital tilg ومن هاتين الشامختين يبدأ التمايز الجنسي للجنين :

فإذا كان مقدّراً له أن يكون ذكراً، فإن هاتين الشامختين تبدآن في الأسبوع السادس من عمرة المضغة بتشكيل نسيج مشابه لنسيج الخصيتين، ويبدأ بإفراز الهرمونات الذكرية (androgen التي تحث بدورها على تشكيل الجهاز التناسلي الذكري أثناء الحياة الجنينية، كما تقومان بإنتاج النطاف بعد البلوغ.

 

أما إذا كان مقدّراً للجنين أن يكون أنثى، فإن هاتين الشامختين تتمايزان لتشكلان نسيجاً مشابهاً للمبيض، وذلك اعتباراً من الأسبوع العاشر، وهما المسؤولان عن إنضاج البويضات الأنثوية عند البلوغ.

 

إذاً، النطفة تتكون من مكان مخصص لها في الذكر (الخصية)، والبويضة تتكون من مكان مخصص لها في الأنثى (المبيض).



  • البويضة : يحتوي المبيضان منذ الحياة الجنينية على ما يقارب نصف مليون جريب ابتدائي * البويضة : يحتوي المبيضان منذ الحياة الجنينية على ما يقارب نصف مليون جريب ابتدائي (primitive follicle)، لا ينضج منها عند البلوغ إلا حوالي أربعمائة بويضة، أي بمعدّل بويضة واحدة من كل مبيض شهرياً، وبالتناوب. ومع مطلع كل شهر قمري، وبأمر من ملكة الغدد في الجسم (النخامية)، وبإشراف مباشر من مراكز دماغيه متخصصة، تبدأ إحدى عرائس المبيض (الجريبات الابتدائية) بالاستعداد لأن تكون عروس الشهر، فتكبر بالحجم، وتتكاثر الخلايا المغذية حولها، وترسل إشارة هرمونية (ostrogen) إلى الرحم تأمره فيها بالاستعداد لاستقبال الضيف الجديد.

    وفعلاً يبدأ الرحم بالاستعداد على قدم وساق، فتزداد ثخانة الغشاء المخاطي فيه، وتزداد ترويتة الدموية، ويهيئ فراشاً وثيراً لتعشيش محصول الحمل الجديد، فإذا ما حصل التلقيح بين النطفة والبويضة، وحصل الحمل، فإن الفرحة تكتمل، وكل شيء في الجسم يسير على ما يرام، وتسخّر كل إمكاناته للحفاظ على الضيف الغالي.

    أما إذا حصل العكس، وفشل الحمل، فإن الجسم يحزن كثيراً لضياع هذه الفرصة، وأكثر الأعضاء تأثراً بهذه الفاجعة إنما هي الرحم، التي تعبر عن حزنها بذرف دموع من دم.!!!

     

  • النطفة : قلنا إن النطاف  تتشكّل في الخصيتين، وهما تنشآن من شامختين تناسليّتين قرب العمود الفقري، ثم لا تلبثا أن تهاجرا إلى البطن، ومنه إلى كيس الصفن خارج الجسم..

    ترى، فما هي أسرار هذه الهجرة العجيبة.!؟
    لقد حيّرت هذه الهجرة ألباب العلماء لقرون عديدة، وبقيت سرّاً من أسرار القدرة الإلهية المبدعة، إلى أن أثبت العلم مؤخراً، بأن النطفة لكي تنشط وتكون جاهزة للتكاثر، تحتاج إلى درجة حرارة خاصة، تقل عن حرارة الجسم الطبيعية بمعل (3-4) درجات، أي حوالي (33-34) درجة مئوية، وهذا لا يتوفر إلا في كيس خارج الجسم، ومعلّق فيه.!!! وهو لغز لم يحلّه إلا كيس الصفن...!!!

    ولقد ثبت أن كل خصية تتلكأ عن هذه الهجرة، تكون معرّضة لمشاكل جمّة، لعل من أهما العقم والسرطان، ولذلك فإننا نلجأ إلى إنزالها إلى هذا الكيس الربّاني العجيب قسراً (بعملية جراحية) إن لم تأت طوعاً (( فتبارك الله أحسن الخالقين)).

  • عرس الحياة  :

    مع منتصف كل شهر قمري، تكون إحدى عرائس المبيض قد تهيأت كأحلى ما تكون العروسة في ليلة زفافها، فتخرج من المبيض بعملية الإباضة (ovulation)، في منتصف الشهر القمري، وهي محاطة بطبقة من الخلايا المغذية تسمى التاج المشع، وهي ميرة تكفيها لبعض الوقت، ريثما تدخل بيت الزوجية الجديد، الذي سيتكفّل بكل شيء منذ لحظة دخولها أعتابه...!


    في هذه الأثناء يكون كل شيء في المرأة مهيأً لاستقبال العريس الذكري :

    1. الوضع النفسي للمرأة مهيأً للجماع، ويطلبه، ويلحّ عليه.

    2. المهبل مهيأ لاستقبال النطاف وتسهيل حركتها ومرورها فيه.

    3. الرحم مهيأ لاستقبال محصول الحمل وتعشيشه فيه.

    4. البوقان مهيآن لالتقاط البويضة المقذوفة من المبيض وتوجيهها وجهتها المعروفة باتجاه الرحم، كما أنه جاهز لاستقبال النطاف القادمة من المهبل، وتوجيهها باتجاه البويضة، وتسهيل التقائهما في الثلث الوحشي منه، ثم تسهيل حركة محصول الحمل - فيما لو حصل -وإيصاله إلى الرحم.

    فإذا ما حصل الجماع في هذه اللحظات، وقذف الرجل بنطافه في مهبل المرأة (وهي تقدّر بحوالي نصف مليار نطفة للقذفة الواحدة)، فإن هذه الملايين تبدأ بالتسابق باتجاه البويضة، ولنتصوّر هذا المنظر المدهش، خمسمائة مليون عريس يتنافسون على عروس واحدة.!!!


    وهنا لا يسعنا إلا أن نقف بإجلال وإكبار أمام هذا النص القرآني المعجز : بسم الله الرحمن الرحيم
    ((ألم يكُ نطفةً من منيٍّ يُمنى.!؟)) القيامة (17). نطفة واحدة من نصف مليار نطفة (منيٍّ يمنى) هي المسؤولة عن تكوين هذا المخلوق البشري، فتبارك الله أحسن الخالقين...


    وتبدأ الرحلة الشاقة، وتبدأ عملية البحث العجيبة، ولنتصور أننا وضعنا نصف مليار رجل أعمى في البصرة، وطلبنا منهم أن يلتقوا بامرأة واحدة عمياء في الموصل لإغاثتها، في مدّة لا تتجاوز أربعة وعشرين ساعة، وإلا ماتت المرأة، فهل يستطيع هؤلاء العميان أن ينجزوا هذه المهمّة المعجزة.!؟


    هذا بالضبط ما يحصل داخل الجهاز التناسلي للمرأة.!!!


    وتتحرك الملايين لهدفها في أعجب وأروع (ماراثون) في العالم، وهناك، وفي الثلث الوحشي من البوق تحدث المعجزة المدهشة، حيث يصل المئات، بل الآلاف من العرسان، ويحيطون بالعروس من كل جانب، كل يدّعي بأنه هو الذي وصل أولاً، ولكنّ العروس هي التي تحسم المسألة، وتفض النزاع، وتتوّج الفائز، وذلك من خلال كامرة ربّانية  مدهشة، مثبّتة بصورة خفيّة في جدارها، حيث تستطيع وبكل سهولة أن تتعرّف على الفائز الأول بعد استخدام العرض البطيء.!!!


    وفور تعرّفها على صاحب الحظ السعيد هذا، تفتح له باب حجرتها، وتستقبله بالترحاب... ومن المدهش أن هذا اللقاء التاريخي الرائع لا يتمُّ إلا في الثلث الوحشي من البوق، فلماذا يا ترى، الثلث الوحشي بالذات.!؟  والجواب :

    1. لأن هذه هي إرادة الخالق المبدع.

    2. لأن عمر البويضة قصير، وميرتها قليلة، لا تكفيها إلا لمدة (24) ساعة فقط، وهي مدة تكفي لقطع الثلث الوحشي من البوق، فإذا التقت بالنطفة خلال هذه المدة، استمرت بالحياة من خلال دفقة جديدة تستمدها من النطفة، وإلا فإنها تذبل وتموت..

    3. المسافة من مكان التلقيح (في الثلث الوحشي للبوق) إلى مكان التعشيش (في جدار الرحم)، ضرورية لإعطاء الفرصة للنطفة الأمشاج (حسب التعبير القرآني)، للانقسام والتهيؤ للتعشيش في جدار الرحم، كما أنها ضرورية لإعطاء الفرصة للرحم نفسها للتهيؤ واستقبال الضيف الجديد.!
      _ ((هذا خلق الله، فأروني ماذا خلق الذين من دونه.!؟)). لقمان.
      _ ((وكلّ شيئ عنده بمقدار)) الرعد.
      _ ((إنا كلَّ شيءٍ خلقناه بقدر)) القمر.
      _ ((وخلق كلَّ شيءٍ فقدّره تقديراً)) الفرقان.

     
    بعد التقاء العروسين مباشرة (النطفة  القادمة من الأب) مع البويضة القادمة من الأم، وكلّ منهما يحمل نصف العدد الصبغي، تتشكل النطفة الأمشاج، حسب التعبير القرآني أو ما تسمى الآن بالبويضة الملقَّحة (zygot)، والتي تحمل عدداً كاملاً من الصبغيات (chromozomes)، نصفها قادمة من الأب، ونصفها قادمة من الأم.


    وهنا لا بد لنا من وقفة عند المصطلح القرآني (النطفة الأمشاج)، بسم الله الرحمن الرحيم :
    ((إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج  نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً)) الإنسان(2). لنرى مدى تفوّقه وإعجازه بالنسبة للمصطلح البشري (البويضة الملقّحة) :


    فهو أولاً يقدّم ذكر النطفة على أنها هي الأصل، لأنها مسؤولة كما سنرى عن تحديد جنس الجنين، ومسؤولة عن إعطاء دفقة الحياة للبويضة منذ لحظة التقائها بها، وإلا فإن الثانية تذبل وتموت في غضون (24) ساعة لا غير، بينما المصطلح البشري يقدّم البويضة على أنها هي الأصل، والتلقيح طارئ عليها (البويضة الملقّحة) وهذا خلاف الواقع العلمي..


    وهو ثانياً يتحفنا بلفظة (أمشاج) والذي يعني أخلاط، وهو لفظ رائع، ذو مغزى مدهش، لا يمكن لأي لفظ أن يعوّض عنه، وهو يصوّر الحقيقة بعينها، عندما تختلط مكونات النطفة القادمة من الأب، مع مكونات البويضة القادمة من الأم، وبنسب متساوية، لتعطي هذا الخليط المتجانس من الصبغيات. خصائص قادمة من الأب تختلط مع خصائص قادمة من الأم فتعطي خصائص جديدة، لمولود جديد.  ومن الجدير ذكره أن جنس الجنين يتحدّد منذ لحظة التقاء النطفة مع البويضة وتشكيل النطفة الأمشاج،  والمسؤول عن تحديد جنس الجنين هي النطفة القادمة من الأب، (ت البويضة القادمة من الأم، وذلك لأن النطفة تتكون من (22 صبغي جسمي) وصبغي جنسي واحد، وهو :
    إما (X) أو (Y)، بينما البويضة القادمة من الأم تتكون من (22 صبغي جسمي) وصبغي جنسي واحد أيضاً لكنه من نوع (X) فقط.


    فإذا ما التقت النطفة المذكّرة (أي التي تحمل الصبغي الجنسي Y) مع البويضة (X) فإن محصول الحمل سيكون (44 صبغي جسمي + XY) وهو جنين ذكر.


    أما إذا التقت النطفة المؤنثة (وهي التي تحمل الصبغي الجنسي X) مع البويضة (X) أيضاً فإن محصول الحمل سيكون (44 صبغي جسمي +  XX) وهو جنين أنثى. 


    ونقف مرّة أخرى بإجلال وإكبار أمام القرآن المعجز، الذي قرّر هذه الحقيقة العلمية قبل أكثر من أربعة عشر قرناً، وأنزلها على نبيٍّ أمّي، وفي أمة أمية، كان الذي يقرأ ويكتب فيها عملة نادرة تُشدُّ إليه الرحال.!!!


    بسم الله الرحمن الرحيم ((وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى : من نطفة، إذا تُمنى)) النجم (45). أي أن النطفة (ت البويضة، هي التي تقرّر جنس الجنين، فتبارك الله أحسن الخالقين...!!!


    أما إذا لم يحصل الجماع، ولم تلتق البويضة بعريسها الغالي (النطفة)، فإنها لا تلبث أن تنتحر وتموت، وذلك في غضون (24) ساعة من خروجها من المبيض، لأنها غير مستعدة للحياة بدون هذا الحبيب الأثير، وهنا يتأثر الجسم لهذا المصاب الأليم، ويعلن عن تأثره على شكل وعكة صحية عادة ما ترافق حالات الطمث عند النساء، ولكن أكثر الأعضاء تأثراً كما ذكرنا، إنما هي الرحم، التي تعبر عن تأثرها هذا بذرف دموع من دم، ويحدث الطمث أو الحيض (العادة الشهرية).


    وهنا لنا وقفة أخرى مع القرآن المعجز، وذلك في قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم
    ((ويسألونك عن المحيض، قل : هو أذى، فاعتزلوا النساء في المحيض، ولا تقربوهن حتى يطهرن  فإذا تطهّرن فأتوهنَّ من حيث أمركم الله، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهّرين)) البقرة (222).


    يـا للعظمة.! ويـا للروعة.! ويـا للإعجاز..!!!
    هل كان محمد النبي الأمي، عالم تشريح، أم أستاذ نسائية وتوليد.!؟
    وكيف عرف قبل أكثر من أربعة عشر قرناً وهو في صحراء مقفرة، لا توجد فيها مجاهر إلكترونية، ولا أشعة ليزر، ولا تصوير طبقي، ولا حتى أطباء، بأن الحيض في المرأة أذى !!!؟
    إنه الله الخالق المبدع المصور له الأسماء الحسنى ((ألا يعلم من خلق، وهو اللطيف الخبير.!؟)).
    إذاً، تعالوا معنا لنرى ماذا يقول الطب الحديث عن المحيض :

    إن المرأة إذا حاضت، تعرّضت للعوارض الصحيّة التالية :

    1. انفتاح فوّهات كثيرة من الأوعية الدموية الرحمية، مما يجعلها عرضة لدخول الجراثيم والميكروبات، وحدوث الالتهابات التي قد تكون خطيرة وقاتلة.

    2. نزف كمية من الدم، مما يؤدي لنحول الجسم وإضعافه.

    3. تعادل الحموضة المهبلية الطبيعية، بقلوية الدم النازف من الرحم، مما يفقده خصيته المضادة للميكروبات المرضية، فيصبح وسطاً قابلاً لنمو الجراثيم والميكروبات المرضية.

    4. العامل الميكانيكي لدخول القضيب في المهبل، وحمله عدداً من العوامل المرضية الخارجية إلى الرحم المريض أصلاً...

    5. الوضع النفسي المتوتّر للمرأة، وتغير مزاجها، المرافق للدورة الشهرية، يجعلها غير راغبة في الممارسة الجنسية، وكارهة لها، وأي إجبار لها على ما تكره، قد يؤدي إلى فتور العلاقة الزوجية، وربما أدى إلى الكراهية والطلاق...

    هذا قليل من كثير، مما توصّل إليه العلم الحديث، من أسرار منع العليم الخبير للرجل من ممارسة العملية الجنسية أثناء الحيض، فتبارك الله أحسن الخالقين..


Updated: 07-09-2017




الصفحة التالية

صفحة البداية

الصفحة السابقة

تالي

البداية

سابق